مشكلة الارهاب في فرنسا

الاراء 02:18 PM - 2015-04-28
د. لؤي محمود الجاف رئيس المركز الفرنسي الكوردي للعلوم والثقافة في باريس

د. لؤي محمود الجاف رئيس المركز الفرنسي الكوردي للعلوم والثقافة في باريس

تعتبر فرنسا من الدول التي كانت وما زالت تلعب دورا محوريا في السياسة الدولية، فهي تكوّن مع ألمانيا نواة الاتحاد الاوروبي الذي يعتبر مركز الكرة الارضية الذي يشع منه الديمقراطيّة والحريّة وحقوق الانسان. سقطت باريس بيد النازيين الالمان من العام 1940 الى العام 1944، فيها فقدت فرنسا مكانتها الدوليّة ولكنها سرعان ما استعادت توازنها ودورها كلاعب أساسي في الساحة السياسيّة الدوليّة. بعد تحرير فرنسا من يد النازيين، بدأت مشاريع اعادة الاعمار تنشط في كل المدن الفرنسيّة، وكما هو الحال دائما في مثل هذه الحالات، كانت احتياجات فرنسا لليد العاملة كبيرة، فاستقبلت العمال الآتون من مختلف المستعمرات الفرنسيّة وخاصة من مستعمرات شمال افريقيا.
لقد غيّرت موجات العمال الآتون للعمل، الواقع الديموغرافي في المجتمع الفرنسي. سابقا كان المجتمع الفرنسي مكون اساسا من الفرنسيين المسيحيين واليهود، وحتّى دول المغرب العربي أو الدول الافريقية أو الآسيويّة ذات الغالبية المسلمة التي كانت تحت وصاية الاستعمار الفرنسي لم تكن تتمتّع بحق المواطنة الكاملة الاّ في الاونة الاخيرة (لبعضها وليس كلها).فرضت استقبال العمال المسلمين وعوائلهم في فرنسا واقع جديد، وهو دخول الاسلام الى فرنسا واعتباره فيما بعد دين يعتنقه قسم لا بأس به من الفرنسيين، وحاليا يشغل المرتبة الثانية من حيث عدد المعتنقين.
في الخمسينيات والستينيات وحتّي سبعينيات القرن الماضي، كان الاسلام في فرنسا غير مسيّس وسطالعمال المسلمين وعوائلهم ولم تكن وسائل الاتصالات والتكنولوجيا والفضائيات موجودة، فكان مشاكل الاندماج والتعايش المشترك كل حسب عاداته وتقاليده أمر لا يشكل خطرا على المجتمع الفرنسي. منذ بدايات ثمانينيات القرن الماضي، تغيّرت هذه الحالة، وخاصة بعد هروب الاسلاميين من بطش الانظمة الدكتاتورية في الدول الاسلاميّة ولجؤهم الى الدول الاوروبيّة وخاصة بريطانيا و فرنسا. الاحزاب اليمينيّة المتطرفة في اوروبا منذ البداية كانت متوجسة وخائفة من تصاعد عدد المهاجرين في البلدان الاوروبيّة وكان الدافع وراء مطالبها بعدم السماح بازدياد عدد المهاجرين وخاصة من المسلمين منهم هو الحفاظ على هيكل المجتمع ككتلة ذات أغلبيّة ساحقة مسيحية.
الاوضاع الاقتصاديّة الجيدة والنمو والازدهار والامل بغد مشرق حالت دون دراسة ظاهرة الهجرة دراسة عميقة، وفي النتيجة صعد الجيل الجديد من أبناء المهاجرين ووجودوا أنفسهم أمام أمر مر لا مفر منه، الا وهو البحث عن الهويّة والبحث عن جواب السؤال التالي: هل أنا فرنسي أم أنا (جزائري، مغربي، تونسي، سنغالي الخ..) ؟
منذ حرب أفغانستان الاولى، حرب البوسنة والهيرسك، حروب الشيشان، أحداث 11 سيبتمبر، حرب أفغانستان الثانية وحرب العراق و الثورات العربية وما تلاها،
استغل تجار الاسلام السياسي وبائعي الجهاد هذه النقطة وبدأوا يعملون لاشاعة الفكرة القائلة، بأننا لسنا فرنسيين وانما مسلمين وعلينا نصرة اخواننا اينما وجدوا، والجهاد فرض عين.
انّ التكنولوجيا ووسائل الاتصالات الحديثة من انترنيت وفضائياتومواقع التواصل الاجتماعي ساعدت تجار الاسلام السياسي وتجار الجهاد على استقطاب الكثيرين من أبناء المسلمين الفرنسيين من الجيل الجديد والذين في أغلب الاحيان لا يتقنون لغة القرآن الكريم. وفرنسا التي لم تكن تعلم أن الارهاب والاسلام السياسي سوف يصل الى عقر دارها ويهددها يوميا، بدأت تستعد لمواجهة خطر التطرف الذي قتل قبل أيام فتاة فرنسيّة لم تقترف ذنبا وانما كانت بالصدفة في مكان كان فيه المتهم بالضلوع لتنفيذ هجمات ارهابية في باريس وضواحيها.فبأيّ ذنب قتلت ؟


بقلم د. لؤي محمود الجاف/ رئيس المركز الفرنسي الكوردي للعلوم والثقافة في باريس


PUKmedia

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket