الشراكة وتقسيم المياه

الاراء 09:48 AM - 2015-01-26
د. عبد اللطيف جمال رشيد

د. عبد اللطيف جمال رشيد

الشراكة وتقسيم المياه بين الدول المتشاطئة والمتجاورة 

 نهر الفرات أنموذجاً

تعـــاني المنطقة من نقص المياه، حيث يقدر الخبراء بأن عدد سكان المنطقة يتراوح مـا بين 12 الى 15% من نسبة سكـــان العالم ونسبة المياه الصالحة للشرب في المنطقة هي في حدود 1% من مجموع المياه في العالم، ومن اجل تجاوز هذه الازمة لابد من التركيز على محورين رئيسين:

1 - الشراكة وتقسيم المياه بين الدول المتشاطئة والمتجاورة - نهر الفرات أنموذجا:ً

 نهر الفرات تكوين مائي قديم ينبع منذ آلاف السنين من المرتفعات الواقعة الى الشمال من العراق ويجري - منذ ذلك الحين - بصورة مستقرة نحو الخليج حتى ظهور التقنيات الحديثة التي مكنت الإنسان من التدخل السيء وبالتالي تغيير الجريان الطبيعي للنهر، خاصةً وأن ميزان القوى في القرن العشرين وما تبعه من بروز أنظمة سياسية جديدة في المنطقة جعلت من مجرى نهر الفرات مجرىً دوليا وعابراً لكل من تركيا، سوريا والعراق. 

وبالرغم من عدم حصول اي تغيير في الصفات الطبيعية لهذا النهر، فإن الحدود السياسية (ليست حواجز طبيعية وإنما هي خطوط وهمية) جعلت النهر يبدو كمجموعة من الأنهر حسب حاجة كل دولة وطبيعة إدارتها له.

 لقد تشكل العراق القديم والحديث اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً بتأثير نهري الفرات ودجلة إذ إن الإنسان القديم وكما هو معروف قد نشأ في وادي الرافدين مهد الحضارات، وقد كان تدفق نهر الفرات منذ ذلك الحين وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي وجريانه في العراق صوب الخليج عاملاً أساسياً في تنمية المجموعات البشرية، وكذلك في إنشاء وتطوير النظام البيئي الأهم في المنطقة الا وهي الأهوار الواقعة في بلاد ما بين النهرين جنوب العراق.  تمثل الحدود السياسية العقبة الأسوء في إدارة الأنهر التي تتشاطرها مجموعة من الدول. وفي الوقت الذي لا تفرق فيه هذه الأنهر نفسها بين الحدود، فالسياسيون والمسؤولون عن ادارة الأنهر في البلدان المتشاطئة يعتبرون أن المياه فيما خلف الحدود السياسية هي ذات قيمة أقل أهمية. 

 لقد عانى العراق – كبلد مصب- ولا زال يعاني الإهمال وقلة الموارد المائية الواردة من دول المنبع، كما أن تدفق المياه الى العراق في تناقص مستمر بسبب بناء السدود في كل من سوريا وتركيا. ويـلاحظ أن معدل تدفق ميـاه نهر الفرات في العراق خـلال الـ 25 عـام الاخيرة هو اقل بنسبة 45 % من الفترة ما قبل بناء السدود. وكان لشحة المياه الشديدة وارتفاع مستوى الملوحة الأثر الكبير الذي أدى الى نزوح جماعي هائل من الارياف الى المدن والى قلة الإنتاج الزراعي فضلاً عن التدهور البيئي والى انكماش في غلاف طبقة الأراضي الصالحة للزراعة وازدياد احتمالات التأثر السلبي بالتغييرات المناخية.  وإرتبط الانخفاض الكبير في مناسيب تدفق نهر الفرات الى العراق وبشكلٍ مأساوي بالدمار الذي خلفته الحرب والعقوبات الاقتصادية، إضافة الى سوء الإدارة من قبل النظام البائد، وكان لهذا الأمر الأثر الكبير في انعدام الأمن الغذائي وازدياد أعداد الفقراء وفقدان المزيد من الأراضي الصالحة للزراعة وارتفاع نسب مخاطر التلوث وانتشار الأمراض المتنقلة بواسطة المياه، وقد تسببت تلك السياسات المتهورة بخسائر اجتماعية واقتصادية وأضرار بيئية خطيرة.

 وفي السنوات الأخيرة قامت الدول المجاورة للعراق ببناء سلسلة من السدود الكبيرة على الروافد العليا لنهر الفرات وبسعة خزن لكل سد تتخطى المعدل السنوي لجريان النهر لمدة أربع سنوات. وواضحٌ بأن أيٍ من المعايير الدولية الرصينة لم تُراعَ في هذه الموضوع، وقد أثبتَ علماء البيئة والمدافعون عنها مع علماء الإقتصاد بما لا يدع مجالاً للشك الآثار السلبية الناجمة عن خزن كميات مياه أكبر من العائد الفعلي لتجمعات مياه الأمطار بصورةٍ تفوق المعدلات الطبيعية.

 يعدُ نهر الفرات الحاجز الاساسي ضد تمدد الصحراء في العراق، وعملية التصحر هي تحول الأرض الخصبة الصالحة للزراعة الى صحراء لا حياة فيها، وهو ما يساهم في ارتفاع معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي. إضافة الى ارتفاع معدلات درجات الحرارة المسجلة في العراق الأعلى من متوسط سطح الأرض فإن التصحر أصبح العامل الرئيس في تغير المناخ المتسارع. لقد أدى النمو السكاني الخارج عن السيطرة والإدارة غير المستدامة للموارد المائية الى صراعات جدية في المنطقة، كما أن غياب آليات اتفاق متبادل لتسوية النزاعات مثل اتفاقات تقاسم المياه بين الدول والصراعات على المياه، تشكل تهديداً خطيراً للإستقرار والسلم الدوليين.  وفي العراق، خيارنا الإستراتيجي هو الدخول مع الدول المجاورة لنا في حوارات جادة وسلمية لتحقيق اتفاقات لتقاسم المياه طويلة الأمد على أساس تحقيق المصلحة المشتركة، وقد وضعت الحلول العملية لتحقيق اتفاقات تقاسم المياه وتشمل النقاشات الجادة اتفاقات وتبادل المعلومات فيما يخص الإجراءات التشغيلية للسدود وزيادة إطلاقات معدلات المياه الى دول المصب، إن خريطة الطريق السياسية والتقنية ستكون ضرورية لتحقيق الإتفاقات النهائية بين الدول المتشاركة في الأنهر عموماً ونهر الفرات على وجه الخصوص.

2 -    الإرهاب واستهداف المنشآت المائية أو الهايدروليكية في العراق:

اولا:

احتل الارهابيون سدة الفلوجة على الفرات قبل شهرين وقد فاجأ ذلك الجميع، مسؤولين ومواطنين، ووضعهم امام حقائق لم تخطر ببال احد من قبل. فقد اعتاد الناس الحديث عن "حرب المياه" منذ التسعينيات، وكان يقصد بها حروبا محتملة بين دول تشترك بانهار دولية عابرة للحدود، نتيجة السيطرة غير المسبوقة على الموارد المائية في المنابع واعالي الانهار وزيادة استخداماتها المتنوعة وتلويثها.

لكن الارهابيين ذوي العقلية الشريرة، جعلوا "حرب المياه" حربا داخلية تستخدم بها المياه كسلاح لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية إنتهاكاً للحقوق الانسانية والقوانين الدولية واعراف الحروب التي تحرم استخدام او تدمير المنشآت المدنية المائية وتعريض السكان لخطر العطش او الموت، وللعلم فإن المنشآت الهيدروليكية تحت هجوم الإرهاب.

ثانيا:

 سدة الفلوجة هي منشأ هيدروليكي كبيرعلى نهر الفرات، تقع على مسافة (5) كم جنوب مدينة الفلوجة الفراتية، انشئت في العام 1985 للتحكم بمياه الفرات وبالاخص لتأمين ارواء مشاريع استصلاح كبرى تغطي مئات الآلاف من الدونمات تمثل سلة غذاء العاصمة بغداد ومحافظة بابل، وهي مشاريع ابو غريب والرضوانية واليوسفية واللطيفية والاسكندرية، فضلا عن التحكم بجريان نهر الفرات جنوبا، وبالتالي فان تشغيلها بعكس وظيفتها الاصلية، او بقصد الاساءة واحداث الضرر يعرض محافظات بغداد وبابل وكربلاء والنجف والديوانية والمثنى والناصرية والبصرة الى ضغط مائي وغذائي. 

ثالثا:

تضم قائمة البنى التحتية والمنشآت المائية المهددة او المستهدفة من قبل الارهابيين سلسلة من المنشآت الكبرى والحرجة التي تهدد الامن المائي والغذائي في العراق ومنها:

• سدة الرمادي على نهر الفرات وتقع الى الشمال من سدة الفلوجة، وقد انشئت في الخمسينيات للتحكم بجريان الفرات جنوبا اوبتحويل تصريفه الى بحيرة الحبانية.

• سد حديثة، وهو ثاني أكبر سد في العراق بعد سد الموصل على نهر دجلة، أنجز في اواسط الثمانينيات وبامكانه ان يتحكم بجريان نهر الفرات جنوبا الى درجة كبيرة، وتبلغ سعته الخزنية نحو (8) مليارات متر مكعب، اي بحدود 50 بالمائة من معدل جريان الفرات عند الحدود السورية خلال العشرين عاما الاخيرة، ويسهم في توليد الطاقة الكهرومائية التي ترفد العاصمة بغداد بجزء من احتياجاتها للطاقة.

• منظومة بحيرة الثرثار بدءا من سدة سامراء على نهر دجلة.

• سد الموصل، وهو أكبر سد في العراق يتسع لخزن (11) مليار متر مكعب من المياه، اي اكثر من (50 بالمائة) من معدل ايرادات نهر دجلة من تركيا، استكمل انشاؤه في اواسط الثمانينيات، ويعاني السد منذ ذلك الحين من مشكلات فنية في اسسه نتيجة انشائه على تكوين صخري غير مناسب، تتسبب باحداث تجاويف وفراغات تحت اسس السد وتعرضه الى خطر الانهيار خاصة اذا توقفت اعمال التحشية الكونكريتية الجارية منذ اكتمال السد وحتى هذه اللحظة.

رابعا:

يتمثل الخطر الارهابي الهادف للسيطرة على المنشآت المتحكمة بمياه الرافدين، في القدرة على احداث اضرار كبرى تقارب في حجمها التدميري استخدام اسلحة الدمار الشامل. 

خامسا:

إن السيطرة على منشآت الري هدف من اهداف الارهاب ويطرح تحديات كبرى على الدولة العراقية، اذ انه يعكس ان لاحدود للأعمال الارهابية في اختيار الاهداف المطلوب تدميرها، او استخدامها في النزاعات للحصول على مكتسبات يرجى منها اضعاف الدولة وضرب أسسها، وتخريب النسيج الاجتماعي، وتدمير الشروط الساندة للحياة، وكل ما يسبب الفوضى ويشيع الخوف والرعب في نفوس المواطنين.

فالمنشآت الكبيرة المرتبطة عضويا ببعضها، بحكم وظيفتها، كالسدود والخزانات، لابد ان تتوفر على نظام حماية كاف يمنع سقوطها من يد الدولة مهما كانت الظروف قاسية، لذلك فان سقوطها بيد الارهابيين يخلخل اسس الاستقرار ويضعف هيبة الدولة ويعرض المجتمع الى مخاطر كثيرة، ويجعل النظام المائي هشا.

لذلك فالعديد من المختصين يرون ان افضل طريقة لادارة الموارد المائية هي في الحفاظ على وضعها الطبيعي دون اللجوء الى اقامة المنشآت الكبرى.

لعبت منشآت الري العراقية ومنذ القدم دورا بارزا في تقدم البلاد وتحقيق استقراره، لا يوجد خيار آخر سوى تكثيف الجهد الوطني للحفاظ على ممتلكات الشعب من سدود وخزانات وغيرها ولمنع وقوعها تحت سيطرة الارهابيين.ختاماً، أود الإشارة الى اننا بحاجة الى دراسات أكثر وتوصيات فنية من اجل حماية هذه المنشآت بصورة فاعلة وجدية.

 

د. عبداللطيف جمال رشيد 

* المستشار الأقدم لرئيس الجمهورية ووزير المــوارد المائية السابق

 

نص المحاضرة التي القيت في (الجمعية العربية لمرافق المياه – أكوا / Arab Countries Water Utilities Association- ACWUA ) خلال مؤتمر أسبوع المياه العربي للفترة من 11-15 كانون ثاني 2015 في البحر الميت – الأردن بعنوان (الإبتكارات والحلول المستدامة لقطاع المياه في المنطقة العربية).

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket