"الحل الجذري" الأمريكي والواقعية المغيبة في الحرب على الإرهاب

الاراء 09:55 AM - 2014-12-17
"الحل الجذري" الأمريكي والواقعية المغيبة في الحرب على الإرهاب

"الحل الجذري" الأمريكي والواقعية المغيبة في الحرب على الإرهاب

في الوقت الذي يزداد الجدل فيه عن جدية التحالف الدولي في التصدي لتنظيم "داعش" ومواجهته في العراق تحديدا، تختلط الأوراق المتعلقة بطرق القضاء عليه وبكيفيتها أيضا، إذ كانت بعض الحلول ترقيعية وبعضها الآخر يزيد من الأزمة.

بيد أن الذرائع الشائعة التي تتخذها واشنطن وبعض الدول تزيد من مخاطر التنظيم وتواجده، ومن هذه الذرائع رفض ايران الدخول في التحالف الدولي ضد التنظيم، خصوصا مع وجود صراع أزلي بينها وبين السعودية تغذيه قوى ومصالح وانقسامات منها تاريخية واخرى آنية. ومن الذرائع الأخرى الانقسامات الطائفية التي كان لها وقعها المؤثر في كيفية استثمار التنظيم المذكور لها. أما الان فلم يعد لهذه الانقسامات ذلك التأثير بسبب طبيعة الاعمال الوحشية التي تقوم بها "داعش" ضد الشيعة والسنة على حد سواء، حيث باتت أعمال القتل المجاني وتهجير الأطفال وسبي النساء من الممكن أن  تطال مختلف المكونات الوطنية العراقية دون استثناء. 

واليوم تحاول واشنطن ايجاد "حل جذري" للقضاء على داعش عبر تدريب وحدة قتالية صغيرة بدلا من المساهمة في اعادة تشكيل الجيش العراقي باجمعه حيث تقول الانباء الواردة ان المسؤولين الامريكيين يعملون على تأسيس قيادة عمليات عسكرية تحت عنوان "الحل الجذري" عبر تشكيل تسعة الوية من الجيش العراقي بعدد 45 الف جندي خلال مدة شهرين، تبريراً لما حصل في الموصل وانسحاب قرابة  80 الف جندي كانوا موجودين في ارض المعركة، حيث ترى واشنطن ان الجيش العراقي الان "عاجز" عن السيطرة على الاراضي التي استحوذ عليها تنظيم الدولة، وان نظرتها للجيش اليوم انه غير قادر على استرداد مافقده على الارض.

وبرغم الاتفاق الذي جرى بين الرئيس أوباما والكونغرس على ضرورة سن مشروع قانون جديد لتوسعة الحرب ضد تنظيم الدولة، فإن الاتفاق المشار إليه يجري وسط انتقادات بسبب عدم جدوى الضربات الجوية وبسبب وجود ضغوط جانبية متزايدة من حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط لاتخاذ موقف من النظام السوري الذي تدعمه ايران وروسيا. 

وهو نفس الامر الذي أشار اليه بايدن عندما أنحى باللائمة على الامارات وتركيا بتقديم الدعم اللوجستي والمالي للمقاتلين السنة بغية الإطاحة بنظام الأسد. وقد تكون هذه الاسباب مجتمعة هي التي جعلت من الولايات المتحدة الامريكية تتذرع بان مدة القضاء على داعش تحتاج إلى وقت أطول.

فيما أغفلت واشنطن ودول التحالف حلولا بسيطة يمكن من خلالها القضاء على التنظيم عبر ايقاف تدفق المقاتلين ومراقبة الحدود والضغط على دول جوار العراق بايقاف تغذية القوى المتطرفة فكريا وعسكريا، توظيف جهود القبائل السنية والفصائل الشيعية وقوات البيشمركه وقوات الجيش العراقي وضمها الى جهود التحالف الدولي. يضاف الى ذلك الجهود التي تتعلق بارسال مستشارين عسكريين يكون عملهم مرافقا لجهود العراق وتقديم المساعدات الاقتصادية والمعلومات الاستخباراتية وعمليات تسليم الأسلحة.

 

تقييم قدرة التنظيم

 

ان ملف السياسة الامريكية المتعثر في العراق والمنطقة يوضح ان واشنطن غير قادرة على تدارك الأخطاء واصلاح الأمور. ويدل على ذلك تصريحات بايدن التي تشير إلى مدى الصعوبة في الحفاظ على دور دول التحالف في الحملة الدولية ضد تنظيم الدولة.

وهو الأمر الذي يرى فيه مهتمون بالشأن السياسي انه عجل من قدرة التنظيم في السيطرة على مساحات واسعة في كل من العراق وسوريا، وعزز قبضته على مدن عديدة بواسطة تشكيلاته العسكرية وتنظيمه المالي الذي يعتمد على تصدير النفط وعلى اعلامه من خلال الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي.

ووفقاً لتقييم حكومي أمريكي نشر في صحيفة واشنطن بوست في تشرين الثاني/نوفمبر 2006 كشف عن ان تنظيم "القاعدة في العراق" وجماعات أخرى تجمع ما بين 70 إلى 200 مليون دولار سنوياً من أنشطة غير مشروعة فقط. فيما بقيت اعداد المقاتلين الاجانب تتزايد بحيث اصبح نصف مقاتلي "داعش" متطوعين من دول أجنبية، وأن الكثير منهم من غير المسلمين وقد تم استغلالهم، وهو الامر الذي يشكل ظاهرة جديدة ومقلقة، فقد كشفت تقارير ان نحو الف مقاتل يتوجهون الى سوريا كل شهر فيما بلغت حصيلتهم الإجمالية اكثر من 16 الف مقاتل اجنبي.

 

تقييم الحالة الأمنية

 

والسؤال الذي يطرح نفسه الان.. هل اقتربت معركة تحرير الموصل والمناطق الأخرى من نهايتها؟

لقد كشفت ملفات الخلافات السياسية وملفات الفساد النقاب عن اسباب تدهور الأمن وتعد قضية الجنود الوهميين "الفضائيين" واحدة من ابرز الموضوعات التي تسببت بالفوضى الأمنية حيث كُشف مؤخرا عن وجود ما يقارب أكثر من 50 ألف عسكري اي بنسبة تصل إلى 30% من الجيش العراقي لايخدمون بشكل صحيح ويتقاضون المرتبات وهم لا يخدمون في صفوف القوى الأمنية، وهذه الارقام تخص اربع فرق عسكرية عراقية فقط في الجيش العراق من بين خمس عشرة فرقة، فيما كشفت الارقام عن ان هؤلاء يكلفون خزينة الدولة العراقية ما لا يقل عن 380 مليون دولار سنويا. ولم تكشف بعد باقي الارقام التي تخص باقي فرق الجيش فضلا عن عدم وجود احصائية بين صفوف القوات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية والمؤسسات الأمنية الأخرى، فقد كشف تقرير منظمة الشفافية العالمية أن العراق احتل المركز الثالث قبل الأخير وتحديدا في المركز 173 عالميا. 

ووفقاً لخبراء عسكريين  قالوا من المفترض ان كل لواء عسكري عراقي يجب ان يضم بين صفوفه 4000 جندي، لكن تبين فيما بعد ان العدد الموجود فعليا اقل من ذلك بكثير وان الاعداد الموجودة حبر على وراق وهو ما يؤكد حالة الفساد التي تخص الجنود الفضائيين أو الأشباح، وهو الأمر الذي ساهم باسقاط الموصل ومدن أخرى على ايدي مسلحي "داعش".

 

العنف وتداعياته

 

وعلى الصعيد الامني فان تقارير عديدة اشارت الى ان عدد الضحايا في العراق لا تزال مرتفعة، إذ يُقتل سنويا بين أربعة وخمسة آلاف شخص. فيما بلغ العدد الكلي للقتلى نحو 112 ألف مدني منذ دخول القوات الأمريكية العراق عام 2003 بحسب منظمة "إيراك بادي كاونت" البريطانية.

واشارت احصائيات اخرى الى ان هذا العدد اقل بكثير من الواقع فقد تحدثت منظمات اخرى الى ان عدد القتلى بلغ أكثر من 800 الف قتيل. فيما شهد النصف الأول من العام الحالي مقتل أكثر من 5500 مدني خلال الأشهر الستة الماضية. بحسب تقرير للامم المتحدة.

 

خلاصة

 

لاشك ان الاوضاع في حال بقائها على هذه الشاكلة قد تقلب الأمر سياسياً واجتماعياً مجددا في العراق ضد السياسة الامريكية كما حدث من قبل عندما ارادت ان تبقي قواعدها العسكرية مع عدد من الجنود. 

بل ان عدم الجدية في انهاء ملف "داعش" قد يقود المنطقة الى صراعات أكبر تزعزع منطقة الشرق الأوسط، وما هو مطلوب هو كيف يمكن القضاء على التنظيم أو الحد من نفوذه عبر عدة طرق ميسورة، وان كانت تقليدية لكنها مهمة منها استهداف قادة تنظيم الدولة من خلال الاعتماد على المعلومات التي تقدمها جهات محلية موثوقة في المناطق التي ينتشر فيها التنظيم.

وعلى العراق ايضا ان يواجه المصاعب الحالية وان يتقبل هذه الحقيقة وان يتعامل مع القوات الأمنية بمهنية عالية وعدم التعويل كاملا على واشنطن في تقديم الدعم، فقد قال المتحدث باِسم البنتاغون الأدميرال جون كيربي في وقت سابق، ان الولايات المتحدة لديها برنامج تسليح بكلفة 14 بليون دولار أمريكي، إلا انه لا يمكن تأمين تلك المساعدات في وقت قريب، والتي ستقتصر على الأسلحة الثقيلة التي لن تُسلم إلى الحكومة العراقية إلا بعد اشهر، بينما الاوضاع الأمنية المتردية مستمرة.

وينبغي أيضا اجراء إصلاحات سياسية وادارية جذرية من خلال إعادة النظر في التشريعات القانونية والهياكل الإدارية وتبني مشاريع اصلاح اجتماعية أخلاقية تعمل على ردم الفجوات، وكذلك اعادة النظر بالسياسات الخارجية تجاه بعض الانظمة في المنطقة التي تدعم او تستفيد مما يجري من الحرب على سوريا على حساب العراق. وهو الذي قد يجعل من الحكومة الجديدة بقيادة العبادي أمام تحديات كبيرة تتعلق بإعادة تنظيم هيكلية المؤسسات الأمنية ومكافحة الفساد بشكل جاد.

 

علي الطالقاني / الاتحاد البغدادية 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket