المناضل البارز كمال فؤاد.. رائد في السياسة

الاراء 10:40 AM - 2014-11-27
كمال فؤاد

كمال فؤاد

المناضل البارز كمال فؤاد.. رائد في السياسة والفكر ونموج مثالي في التواضع والأخلاق

رحل قبل ايام المناضل والسياسي البارزوالمثقف الكردي المعروف الدكتور كمال فؤاد احد القادة المؤسسين للاتحاد الوطني الكردستاني وعضو مكتبه السياسي. وهو من الشخصيات القومية (الكردية) المعروف بصلابة مواقفه وبتاريخه النضالي الطويل الذي تجاوز النصف قرن من الزمن. والفقيد كمال فؤاد واحدا من اسماء عديدة من المناضلين الكرد من الذين عملت معهم او تعرفت عليهم او ربطتني بهم علاقات صداقة ونضال مشترك منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي (القرن العشرين) وحتى سقوط نظام البعث على يد القوات الاميركية عام 2003.

تعرفت على الدكتور كمال اثناء عملي في كردستان حيث كنت اقوم بمهمة الاشراف على اصدار طبعة جريدة “المؤتمر” في صلاح الدين في الاقليم في التسعينيات من القرن الماضي، بينما كانت الطبعة الرئيسية تصدر من لندن. في ذلك الوقت تحول اقليم كردستان الى ورشة عمل لنشاط المعارضة العراقية. وضم المؤتمر الوطني العراقي الموحد (الذي اصبح الممثل الاول لقوى المعارضة) في صفوفه غالبية اطراف تلك المعارضة واتخذ من فندق “السدير” في صلاح الدين مقرا له. وفي ذلك المكان عمل واقام عدد من ممثلي القوى السياسية، منها العربية والكردية وغيرهما. وكان يدير الشؤون المالية والادارية للمؤتمر الوطني العراقي الموحد كل من الدكتور كمال فؤاد ممثلا عن الاتحاد الوطني الكردستاني والمرحوم سامي عبد الرحمن ممثلا عن الحزب الديمقراطي الكردستاني. 

كنت قد التقيت بالرجلين في اوقات سابقة، لكن هذه المرة تعرفت عليهما جيدا، وربطتني بهما وشائج علاقة متينة وصداقة حقيقية. ومن خلال عملي معهما عرفت قضايا مهمة وتعلمت منهما اشياء كثيرة. وهنا اركز على الفقيد الدكتور كمال فؤاد الذي ادهشني بثقافته الرصينة واطلاعه الواسع فيما يتعلق بتاريخ العراق والكرد والمامه الدقيق بنضال حركة التحرر القومي الكردية في المنطقة التي يتوزع فيها الوجود الكردي، العراق وسوريا وتركيا وايران والاتحاد السوفياتي (سابقا).

مارس الفقيد عمله اليومي ونشاطه الدؤوب بهمة عالية وقدم الكثير من الجهد على الصعيدين الفكري والسياسي لتطوير عمل المعارضة العراقية ولم يبخل بشيء في هذا السبيل وفي مد يد العون للاخرين ولمن هم بحاجة له. وفي هذا المجال فقد ساعدني كثيرا في مهمتي ولم يكتف بذلك بل اوصى اكثر من مسؤول في الاتحاد الوطني الكردستاني بمساعدتي. وبفضله فتحت امامي اغلب ابواب المكاتب والمقرات التابعة لقيادة الاتحاد الوطني في جميع انحاء كردستان. وهذا من الاشياء التي اتذكرها وما ازال اشعر بالامتنان له. انه مثال الانسان الكريم والرفيع في خلقه.

وما لفت انتباهي في هذا الانسان المتواضع هو خبراته السياسية ومعارفه المتنوعة، لكنك حين تجالسه يشعرك ببساطة لا تجدها الا في خصال العلماء والزاهدين من البشر. كان عالما حقا ويتحدث بهدوء لا يجيده احد غيره، يترافق ذلك مع نبرات توحي باخلاص الرجل وصدق كلامه. ورغم موقعه القيادي ودوره الفعال في كل النشاطات الفكرية والثقافية والاعلامية سواء على الصعيد الكردي والعراقي، او حتى على صعيد النشاط الخاص بالاتحاد الوطني الكردستاني، فهو نادرا ما يتحدث عن هذه الامور او يشعرك بهذه الادوار او يقترب من وسائل الاعلام. كان يعمل بصمت وبمحبة وقناعة تثير الاعجاب والتقدير.

كان الفقيد على قدر كبير من الادراك لقضية الشعب الكردي وحقه المشروع لنيل حقوقه القومية، في العراق وفي المنطقة ايضا، وهو على ثقة تامة بالوصول الى تلك الاهداف وقناعة تكاد ان تكون مطلقة بذلك. ولذا فقد كرس حياته للسير في هذا الطريق الصعب، وزامل في مشواره النضالي الطويل رجال كبار من قادة الاتحاد الوطني الكردستاني، ومن قادة حركة التحرر الوطني الكردية والعراقية، من امثال رئيس الجمهورية السابق جلال طالباني، واحد ابرز الزعماء الكرد العراقيين.

وفي مناسبة، لا اذكر سببها او سبب سؤالي له حول شخصية الامين العام للاتحاد الوطني الكردستاني الرئيس جلال طالباني، ونحن العرب كنا ندعوه “ابو شلال” بينما كان اللقب “مام جلال” هو الشائع بين الكرد، كان ذلك ايام المعارضة وما تخللها من خلافات وانشقاقات، وكان اسم “الرئيس” تتداوله الالسن وتتنافس في الوصول اليه كل الاطراف. سألته عن مواهب هذا القائد الذي جمع الكثير منها، وعن هذه الجاذبية التي تشد اليه حتى الذين لا يودونه. اجابني الفقيد بلغة الواثق بصيغة سؤال “ وهل كان لكرد العراق ان يصلوا الى ما وصلوا اليه بدون مام جلال”.

وانا اسلط الضوء على خصال الفقيد كمال فؤاد، خاصة تواضعه الجم، وصبره غير المحدود، واخلاصه لقضية شعبه، وتضحياته الكبيرة، وتاريخه النضالي الطويل، ارى التشابه الكبير بينه وبين الرئيس العراقي الجديد الدكتور فؤاد معصوم الذي يتميز هوالاخر بمكانة علمية رفيعة وبتواضعه وجميل خلقه. وهو من مفاخر الكرد في العراق. والمفارقة هنا، ان الرئيس العراقي السابق جلال طالباني والرئيس الحالي فؤاد معصوم، كلاهما من المقربين للفقيد، وكلاهما من نفس المدرسة النضالية، وكلاهما من قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، وكلاهما من الكرد. وهذه حقا مفخرة كبيرة ومفارقة نادرة.

وخلال تلك السنوات، سنوات وجودي في كردستان وعملي هناك بين عامي (1993 و1998)  شهد الاقليم الكثير من الاحداث، رافقها صراع مرير وقتال مؤسف بين الاخوة. واتذكر جيدا وانا اتوجه الى مكتبه في احدى الايام، فوجدته منشغلا في تجميع اوراقه وبعض كتبه ويستعد لحملها والخروج قبل قيامه باغلاق المكتب. فهمت ما كان يفعل ولم يعد السؤول له معنى، لكنه فاجئني بالقول “هذه ليست المحنة الوحيدة التي تواجه الكرد، لقد جربوا الكثير مثلها، وسوف ينتصرون كما انتصروا في السابق” بعدها جلسنا لدقائق وحدثته عن الجهود المبذولة لايقاف القتال. شرح لي الامر بدقة وكان واثقا من ان الكرد سوف يتجاوزون تلك المحنة. 

 في ذلك الوقت، كان الدكتور احمد الجلبي رئيس المجلس التنفيذي للمؤتمر الوطني العراقي الموحد يبذل جهودا كبيرة وعرض حياته لمخاطر كثيرة لوقف القتال في الاقليم وتوحيد جهود القوى العراقية لمواجهة النظام البعثي والاسراع في اسقاطه. ولما سألته ان كان بمقدور الدكتور احمد الجلبي النجاح في هذه القضية الشائكة، قال “نعم، والسبب ان الكرد، كل القوى الكردية، تثق بالجلبي” وبرأيه ان هذا الامر كاف للنجاح وكان محقا في رأيه.

الشيء الاخر، الذي جلب انتباهي لشخصية هذا الرجل المناضل، هو فكره التقدمي وثقته القوية بالمستقبل، مستقبل الكرد، ومستقبل البشرية في النجاح وفي التقدم لبناء مجتمع او مجتمعات انسانية عادلة غايتها سعادة الانسان ورفاهيته. وبالتأكيد هو احد الرجال او القادة الذين صنعوا او ساهموا في صنع ما نراه اليوم من انجازات  كبيرة ونجاحات مهمة في اقليم كردستان في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والعمرانية  والثقافية وفي نمو وازدهار المعارف اللغوية والتاريخية القومية لكرد العراق.

ان غياب الفقيد كمال فؤاد بعد هذا التاريخ الطويل وهذا العطاء الوفير، هو خسارة لا تعوض، وهو رجل جدير بكل تقدير واحترام ومناضل من الطراز الرفيع ترك بصماته الواضحة في التاريخ وفي الثقافة وفي حياة الكرد الحالية.  


قاسم محمد غالي 

 لندن في تشرين الثاني 2014 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket