المعاني الاستراتيجية لهبوط سعر النفط!

الاراء 12:21 PM - 2014-11-24
المعاني الاستراتيجية لهبوط سعر النفط!

المعاني الاستراتيجية لهبوط سعر النفط!

سعر برميل النفط مستمرٌ، ولسوف يستمر، في الهبوط؛ وهو اليوم 78 دولاراً؛ ولولا أنَّنا في الشتاء،حيث تشتد الحاجة إلى النفط (والغاز) ويرتفع سعره،من ثمَّ،لكان الهبوط في سعره أعظم؛ فالاقتصاد العالمي،على وجه العموم،لا يَطْلُب الآن مزيداً من الطاقة النفطية؛ لِمَا يعانيه من تباطؤ في النمو؛ وكَفَّة العَرْض تَرْجَح الآن على كَفَّة الطَّلَب؛ و”المُتَّهَم الجديد” الآن بهذا الهبوط المتزايد المتسارِع في سِعْر النفط هو الولايات المتحدة التي زادت،وتزيد،إنتاجها من النَّفط الصخري؛ أمَّا “المُصَدِّر الأكبر (حتى الآن)”،وهو السعودية،فتبدو غير قلقة من هذا الهبوط،وغير مستعدة،في الوقت نفسه،لتلبية مَطْلَب المُصَدِّرين الآخرين من منظمة “أوبك” خَفْض الإنتاج.

وفي روسيا، “المُنْتِج الأوَّل”، و”المُصَدِّر الثاني”، عالمياً، يرتفع، مع كل هبوط في “السِّعْر”، منسوب القلق الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي؛فعملتها “الروبل”، والواقعة بين مطرقة “العقوبات الغربية” وسندان “هبوط سعر النَّفْط”، فَقَدَت رُبْع قيمتها بالدولار في الأسواق العالمية؛ ويبدو أنَّ النَّزْف في مخزونها من القطع النادِر مرشَّح للاستمرار والتزايد؛ وإيران هي أيضاً من كِبار المُعانين من هذا الهبوط في سعر النَّفْط؛ وكأنَّ الغاية الكامنة هي تشديد الخناق الاقتصادي على موسكو وطهران معاً.

السعودية لا تريد أنْ تبدو، بامتناعها عن خفض الإنتاج من أجل رَفْع السِّعر، طرفاً في حرب نفطية ضدَّ روسيا وإيران، مُفَضِّلَةً أنْ يُفسِّر المُفَسِّرون موقفها على أنَّه “حرب وقائية خفية” تشنها، بصفة كونها “المُصَدِّر العالمي الأوَّل”، على “ثورة النفط الصخري” في الولايات المتحدة،والتي بفضلها قد تتمكَّن القوَّة العظمى في العالَم،بحلول سنة 2020،من زيادة إنتاجها النفطي بما يجعلها مُكْتَفِية ذاتياً من الطاقة النفطية، ومُصَدِّرة، في الوقت نفسه، لنحو 5 ملايين برميل يومياً، إذا ما قرَّرت واشنطن رَفْع الحَظْر المفروض على تصدير النَّفْط؛ لكنَّ السياسة النفطية للولايات المتحدة متناقضة لتَنَاقُض مصالحها؛ فهي مع السعر المرتفع (سعر لا يقل عن 70 دولاراً للبرميل الواحد) من أجل حَفْز وتشجيع الاستثمار في “النَّفْط الصخري” المُكْلِف كثيراً استخراجه الآن؛ وهي، في الوقت نفسه، مع السعر المُنْخَفِض من أجل حَفْز نمو اقتصادها، وزيادة رفاهية مواطنيها. وقد جاء في تقرير لـ “سيتي بنك” City Bank أنَّ الولايات المتحدة قد تزيد، مستقبلاً، إنتاجها النفطي من طريق مضيها قُدُماً في ثورة “النفط الصخري”، وتَرْفَع الحظر المفروض على صادراتها النفطية، من أجل شَنِّ “حرب أسعار”، تَسْحَق فيها، نفطياً، السعودية (وسائر أعضاء “أوبك”).

الصين، وعلى الرغم مِمَّا يعانيه اقتصادها الآن من تباطؤ (لا بَلْ تَراجُع) في النمو،هي من كِبار المستفيدين من هبوط سعر النفط؛ إنَّها “المُسْتَهْلِك النفطي العالمي الأوَّل”، والدولة التي لديها أكبر مخزون من القطع النادِر.

الولايات المتحدة هي الآن قَيْد التَّحَوُّل إلى قوَّة نفطية عظمى،إنتاجاً وتصديراً؛ ولن تتوقَّف عن الاستثمار في المخاوف الاستراتيجية للأوربيين من “روسيا بوتين” في سعيها إلى “تحرير” أوربا من “الهيمنة النفطية والغازية الروسية”، وجَعْلها، من ثمَّ، في تبعية لمَصادِرها النفطية،أو لمَصادِر نفطية “حليفة” لها؛ وقد تَنْدَلِع “أزمات تُعَرْقِل الإمدادات” في مضيقيِّ هرمز وباب المندب، فيَسْهُل كثيراً سعيها (الاستراتيجي) هذا؛ أمَّا روسيا وإيران والصين فقد تتوافَق استراتيجياً على التأسيس لسوق نفطية كبرى،إنتاجاً وتصديراً واستهلاكاً.

 

جواد البشيتي 

 

 

 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket