بغداد وأربيل.. تفكيك الأزمات

الاراء 10:53 AM - 2014-11-24
بغداد وأربيل.. تفكيك الأزمات

بغداد وأربيل.. تفكيك الأزمات

لابد من الإقرار بأن رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي قد ورث (أزمة مستعصية) بين الحكومة الاتحادية وبين إقليم كردستان وكان الحوار قد وصل الى طريق مسدود ونشأ جدار صلد وعال بين الطرفين، وكان على الحكومة الاتحادية الجديدة أن تختار بين طريقين، إما أن تمضي بسياسة (شد الحبل) مع الإقليم أو أن تفتح كوة في (الجدار الصلد)، وخيار الحكومة الجديدة بدون شك هو العمل على تفكيك الأزمات الداخلية والخارجية تنفيذاً لبرنامجها الحكومي، ويمثل الاتفاق النفطي مع اقليم كردستان خطوة باتجاه الحل الشامل (فما لا يُدرك كله، لا يُترك جله)، فهل كان على حكومة العبادي أن تواصل لعبة (شد الحبل) مع الاقليم الى ما لا نهاية؟، بالتأكيد لا، لأن معطيات الواقع الجديد بعد ظهور "داعش" تفرض على السياسي أن يتعامل برؤية واقعية مع الأزمات.

لقد كادت البلاد أن تصل الى حافة النهاية بعد تقدم "داعش" وتهديدها للعاصمة بغداد، ولا تزال "داعش" تهاجم المدن والقرى العراقية كل يوم، ونشأ شعور مشترك بالخطر الداهم بين جميع الأطراف السياسية العراقية، فلم تعد كردستان في مأمن كما كانت في السابق، فقد فجرت "داعش" سيارة مفخخة قبل أيام في قلب أربيل، ولا شك ان هذا الشعور بالخطر من عصابات "داعش" والتأييد الدولي للحكومة الجديدة وحاجة الطرفين الى حل ما، كلها معطيات صنعت الاتفاق النفطي الأخير الذي عده طرف سياسي بأنه (نكبة وطنية)، فيما عده طرف آخر (نصراً مؤزراً)، ولكن كان لابد من (رؤية واقعية) بهدف تفكيك الأزمة شيئاً فشيئاً.

لابد من إعادة بناء الثقة على أسس واقعية، وليس من العدل وصف الاتفاق النفطي مع اقليم كردستان بأنه (نكبة وطنية) أو (تفريط بالحقوق)، وهنا يمكن القول بأن سقوط الموصل بيد "داعش" وما تلاه من تداعيات هو النكبة الوطنية بعينها، والحكومة الجديدة تحاول إزالة آثار هذه النكبة ومواصلة الحرب ضد "داعش" على جبهات عديدة فضلاً عن مجابهة مخاطر أعمال التفجيرات التي تنفذها "داعش" داخل المدن.

الاتفاق النفطي الجديد ينبغي ان يكون خط شروع باتجاه تسويه شاملة للخلافات العالقة منذ سنوات، لكن هذه التسوية لابد ان تكون محكومة بسقف الدستور والمصلحة الوطنية العليا، لا أن تكون مجرد جرعة مؤقتة مسكنة للألم الى حين، وسرعان ما تعود الحمى مجدداً، لذلك ينبغي أن ننظر الى الاتفاق النفطي الاخير بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان كخطوة اولى وايجابية باتجاه تحسين العلاقات، وحل المشكلات العالقة بين الجانبين بما ينعكس ايجابا على العراقيين كافة.

الاتفاق ببساطة هو اتفاق مرحلي ومؤقت يتضمن أن تدفع الحكومة 500 مليون دولار لتسديد جزء من رواتب موظفي الإقليم, على أن يضع الإقليم 150 ألف برميل يومياً تحت تصرف الحكومة الاتحادية, هذا كل ما تضمنه الاتفاق ولا يصح أن نحمله أكثر مما يحتمل، وليس من الانصاف تصوير هذا الاتفاق وكأنه تفريط بالحقوق من قبل رئيس الوزراء او وزير النفط

وهما يمتلكان قدرة ملحوظة على استقراء انعكاس الاقتصاد على القرار السياسي، وخير مثال على ذلك، المشاكل بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية التي استمرت لأكثر من أربعة أعوام.

رئيس الوزراء العبادي تعهد في برنامجه الحكومي بإنهاء المشاكل الخلافية مع الاقليم، فضلاً عن الزيادة في إيرادات البلد لسد العجز المالي، ولو أجرينا عملية حسابية فسوف نكتشف بأن هنالك (ربحا) متحققا ولا توجد (خسارة)، لأن وضع 150 ألف برميل نفط يومياً تحت تصرف الحكومة الاتحادية في هذه الظروف المالية المتعسرة التي يعاني منها الشعب العراقي هو إنجاز كبير بحد ذاته، فضلاً عن انعكاسات هذا الاتفاق على مجمل العلاقة بين بغداد وأربيل.

البديل الذي يطرحه منتقدو هذا الاتفاق النفطي هو (اللاحل) ومواصلة لعبة (شد الحبل) مع حكومة الاقليم، اما السياسي الناجح فهو الذي يحاول أن يفكك الأزمات من خلال (رؤية واقعية) تقود الى حلول لا تلحق أضراراً ستراتيجية بالمصلحة الوطنية العليا، وفتح نافذة باتجاه الحل خيرُ من غلقها تماماً.

الأتفاق الأخير هو (حل مؤقت) لكنه يفتح أبواباً باتجاه (حل شامل) وهذا ما ينبغي توضيحه للجمهور. لذلك يجب توضيح الاتفاق النفطي للجمهور قبل وبعد اتمامه من قبل المتحدثين باسم الحكومة ورئيس مجلس الوزراء ووزارة النفط لوسائل الاعلام والرد على ما يثار تجاه الحكومة او احد اعضائها ولا يتركون ذلك عرضة للتأويل والتحليل كما حدث في قرارات عديدة للحكومة ومنها اجراءات تغيير القادة الامنيين التي تسربت بشكل وظهرت بشكل آخر، ما اعطى انطباعاً بأن الفرق بين التغييرات كان عرضة للمساومات، وكذلك الاتفاق النفطي يجب ان يُوضح للجمهور بشكل مفصل امام وسائل الاعلام والرأي العام ، حتى لا نعطي مجالاً للمتصيدين بالمياه العكرة.

البرلمان من جهته ينبغي ان يكون حريصاً على ضمان انسيابية عمل الحكومة ومراقبتها بدقة بدلا من ان يقوم بعض الأعضاء بالطعن بوطنية رئيس الحكومة ووزير النفط والتشكيك بسلامة الاتفاق النفطي مع الاقليم، بل كان عليه اصلاً ان يشرع قانون النفط والغاز او يعرض مسودته المركونة منذ سنوات لقراءة اولى، وهو قانون لو تم إقراره لانتهت تلك المشاكل الى غير رجعة.

واخيراً ، ان الاتفاق دخل حيز التنفيذ منذ لحظة وصول الدفعة الاولى الى منصات ميناء جيهان التركي قبل عدة ايام، وقيام الحكومة المركزية بتحويل ٥٠٠ مليون دولار لتسديد جزء من مستحقات موظفي الاقليم وفقا للاتفاق، ومن المؤمل أن يأتي وفد من حكومة الاقليم الى بغداد لمواصلة المفاوضات بهدف التوصل الى حلول نهائية للمشاكل العالقة بين الطرفين، وهي مهمة ليست سهلة، لكن لابد من الحوار وتحكيم العقل والمصلحة في التعامل مع الأزمات، وعلى الفوضويين أن يكفوا عن التشويش على الحكومة، فالفوضى ليست هي الحل، وهم إما أن يكونوا قادرين على التعامل مع الأزمات برؤية واقعية أو ان يصمتوا ويتركوا السياسيين العقلانيين الواقعيين يعملون بهدوء على تفكيك الأزمات المستعصية التي ورثوها ولم يساهموا بصنعها.

 

محمد محبوب 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket