انفراجات ستراتيجية

الاراء 12:50 PM - 2014-11-23
لقاء الرئيس معصوم مع العاهل السعودي

لقاء الرئيس معصوم مع العاهل السعودي

حملت زيارة رئيس الجمهورية معصوم المزدوجة (في يوم واحد) الى النجف الاشرف ولقاء المرجعية فيها والتي طار منها الى السعودية للقاء كبار المسؤولين فيها، حملت أكثر من انفراج مهم وانفتاح ستراتيجي على نوافذ كانت مستحكمة الانغلاق وتشكل نقاط استعصاء مركزية للعملية السياسية برمتها. الانفراج الأول أتى من الداخل ومن صميم المرجعية الدينية العليا ومن ارفع مستوياتها (السيد السيستاني) والتي عرفت على نطاق السنين الماضية انها أغلقت "الباب" بوجه المسؤولين العراقيين وبجميع درجاتهم بسبب مآخذ لها شخصَّتها على الأداء الحكومي وكانت تلك المآخذ تُطرح دائما في خُطب الجُمعة بواسطة ممثلي المرجعية للتعبير عن وجهة نظرها حول اخفاقات وتعثرات الأداء الحكومي والفعاليات السياسية والنشاطات الحزبوية ومظاهر الفساد المالي والإداري والمستوى المعيشي للمواطن العراقي البسيط، فضلا عن الملف الأمني الذي شهد في فترات ماضية انتكاسات واضحة،  وكل تلك الأمور وملفات مهمة وحساسة اخرى دفعت المرجعية الى ان تدير ظهرها لرموز العملية السياسية وأقطابها، ولهذا فقد حملت زيارة معصوم الى النجف الاشرف ولقاؤه السيد السيستاني رسالة مهمة جدا في مضامينها السياسية الى المسؤولين العراقيين والمتصدين للقرار كافة بفتح صفحة جديدة في تحسين الأداء الحكومي وخدمة الصالح العام من خلال توجيه الدعوة لـ(رئيس الجمهورية)، مايترتب على الحكومة مسؤولية عدم تكرار سيناريو الإخفاقات والتعثرات القديم الذي دعا المرجعية الى ان تتخذ موقفا سلبيا منها، وموقف المرجعية يعكس مناسيب الرأي العام .  

اما الانفراج الستراتيجي الثاني الذي جاء هو الآخر بضوء اخضر من المرجعية نفسها وشجع على فتح صفحات جديدة مع دول الجوار وإذابة الجليد المتراكم في العلاقات المتعثرة مابين العراق وتلك الدول وتطبيع العلاقات معها، فيتمثل بزيارة رئيس الجمهورية الى السعودية، الجار العربي الأكبر وبناءً على دعوة منها استجاب لها العراق لمد جسور التعاون الثنائي المشترك وفتح "صفحة" جديدة من العلاقات الثنائية الجيدة والبناءة مع مراعاة أسس الجوار والمصالح والاهتمامات المشتركة بين البلدين، وهي علاقات شهدت فتورا كبيرا في السنوات الأربع الماضية سبقها برود معلن في العلاقات مع بغداد وعداوة مستترة معها لاسيما بعد الغزو الصدامي لدولة الكويت وغلفت ذلك البرود حرب إعلامية حامية الوطيس يغذيها سيل من الاتهامات التسقيطية المتبادلة.

الرئيس معصوم اختصر الهدف من زيارته للسعودية بعبارة كشفت عن التوجه الجديد للحكومة العراقية ومفادها ان العراق لايريد مشاكل مع دول المنطقة - ويعني إيران وتركيا والسعودية - في خطوة جديدة لتصحيح مسار العلاقات العراقية مع المحيط الإقليمي وخاصة دول الجوار وتوجيه بوصلة تلك العلاقات الوجهة الصحيحة كبادرة تدل على حسن نية العراق تجاه جيرانه بعيدا عن أجواء التشنج والتعصب والتوتر وتوزيع الاتهامات، ويبدو ان السعودية قد التقطت هذه الإشارة  واستوعبتها وبادلتها بإشارة تدل هي الأخرى على "حسن" نية ورغبة متبادلة مع الجانب العراقي، وبدا هذا واضحا من خلال ثناء الملك عبد الله على مواقف السيد السيستاني وهي إشارة غير مسبوقة ابدا وتعكس تحولا جذريا في مسار العلاقات بين البلدين في مجال توطيد تلك العلاقات، وتعد انطلاقة "متحمسة" لها بعد ان كان المسؤولون السعوديون يتحاشون لقاء المسؤولين العراقيين في المنتديات والمؤتمرات كما حدث في قمة الدوحة حين اعتذر الملك السعودي عن استقبال رئيس الوفد العراقي آنذاك "لانشغال" الملك، وبعدها دخلت العلاقات العراقية السعودية في نفق مظلم، وكانت زيارة الرئيس معصوم بصيص الضوء الذي أنار نهاية النفق.

ستراتيجيا من غير الممكن تجاوز السعودية التي هي  الجار الستراتيجي الكبير  للعراق وتشترك معه في حدود برية طويلة وهي دولة لها ثقل ستراتيجي إقليميا وعربيا وحتى دوليا والمعروف ان العلاقات بين البلدين مرت بتعثرات وكبوات كثيرة وكبيرة ولم يستغل مسؤولو البلدين أية فرصة لترطيب الأجواء المتشنجة او حلحلة الملفات العالقة بينهما الى ان وصلت علاقاتهما الى أشبه بالقطيعة غير المعلنة وقد حان الوقت لأن يتجاوز البلدان سلبيات الماضي لفتح آفاق مستقبلية تصب في صالحهما.. وليس بمستغرب ان توجه السعودية دعوة رسمية لأرفع مستوى لمسؤول عراقي وتعرب عن نيتها فتح سفارة لها في بغداد وهي أول دعوة توجه لمسؤول عراقي رفيع المستوى منذ عقود وذلك لوجود أهداف مشتركة مع العراق منها الملف الأمني ومكافحة الإرهاب والاهتمامات الاقتصادية والنفطية وغيرها. وليس بمستغرب ايضا ان تحظى زيارة الرئيس معصوم بتأييد القوى السياسية والمرجعيات الدينية التي أعطته الضوء الأخضر لغرض توسيع جبهة العراق في حربه ضد "داعش" والاستفادة من جهود السعودية الأمنية والاستخبارية في ذلك، ومن الطبيعي ان الانسجام في علاقات العراق الخارجية يصب في مصلحة العراق وفي هذا الظرف العصيب بالذات.

 

عباس عبد الرزاق الصباغ

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket