كردستان مقبرة الغزاة والطامعين أين يكمن سر انتصارها ؟

الاراء 12:22 PM - 2014-09-22
كردستان مقبرة الغزاة والطامعين أين يكمن سر انتصارها ؟

كردستان مقبرة الغزاة والطامعين أين يكمن سر انتصارها ؟

كل المطلعين على تاريخ الشعب ،الكرد وكردستان، يعلمون بان كردستان كانت دوماً وعبر التاريخ هدفاً للغزاة والفاتحين من مختلف الاجناس والألوان. ومنذ عهود ما قبل الميلاد وعبر التاريخ خلدت ( مسيرة العشرة الاف عبر كردستان) لـ(كيز نفون ).احدى تلك الملاحم الخالدة في تاريخ الشعب الكردي، وغيرها من الحملات العسكرية التي انعكست في التراث الشفاهي للشعب كفاح أبناء الشعب ضد المحتلين بمختلف اشكالهم والوانهم.. 

يقول المثل الكردي الخالد : 

 

بالَدار هات بالَي شكيا 

نالَدار هات نالَي شكيا 

 

وترجمته : 

كل ذات جناح جاء تناثر جناحه 

وكل ذات حدوة أقبل تساقطت حدوته 

ان هذه الحكمة الشعبية تلخص الغزوات التي تعرضت لها كردستان عبر التاريخ وكان مصيرها الإخفاق. 

ولا ازعم ان شعبنا قد انتصر على كل الغزاة والفاتحين في كل تلك الحملات والمعارك التاريخية الفاصلة لانه كثيراً ما كانت قوة الغزاة تفوق إمكانية هذا الشعب المحب لأرضه، والمستعد دوماً للتضحية من اجلها. ولكن الحقيقة التي لا تغيب عن المؤرخين ان أبناء هذا الشعب كانوا ينتصرون في النهاية على الغزاة والطامعين. وينهضون من وسط الدمار والخراب كطائر العنقاء الأسطوري الذي يحترق ويصبح رماداً، ثم يحلق من جديد من وسط الرماد..وفي تاريخنا القريب الذي ما زالت احداثه حية ماثلة في الاذهان، تعرض شعبنا الكردي لأشرس حملات الإبادة الجماعية من خلال قصف النظام الشوفيني المباد لمدن وقرى كردستان بالأسلحة والغازات الكيمياوية، وشن حملات الانفال التي راح ضحاياها اكثر من 180000  مواطن كردي بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ العزل. بهدف كسر شوكة هذا الشعب الباسل، وإزالة تراثه الحضاري والعمراني من خلال هدم ( 4500) قرية وقصبة كردستانية وتسويتها بالأرض. ولكن مع اشراقة فجر الانتفاضة الجماهيرية في اذار توحدت قوى الشعب الكردي المناضلة وطلائعه الثورية، في وثبة عارمة، هبت كالاعصار لتكتسح جميع حصون وقلاع الشوفينيين الذين كانوا يصرحون علناً،( بان الثورة الكردية وأدت للابد، ولكن خاب فألهم )، حيث فر ازلام النظام الشوفيني واجهزته القمعية كالجرذان المذعورة امام سيل انتفاضة أبناء هذا الشعب العريق. وحين اقتضت الظروف الإقليمية والدولية آنذاك، إبقاء النظام القمعي ورأسه لفترة أخرى، بادر المواطنون الكرد الى مسيرة مليونية تاركين أموالهم وممتلكاتهم ليكملوا مسيرة الحرية، من خلال الهجرة المليونية، التي اثمرت عن اصدار القرار الدولي بانشاء منطقة آمنة لهذا الشعب العريق والباسل وحتى خلال الانتفاضة وحيث كان ضباط وافراد الجيش الذين نفذوا حملات الانفال السيئة الصيت مجردين من أسلحتهم وينتظرون حكم الشعب المظلوم، ولكن أبناء هذا الشعب العريق الذين وصفهم الباحث الارمني أبو فيان بـ(فرسان الشرق) كانوا يدركون ان الذين نفذوا تلك الحملات الوحشية كانوا ينفذون أوامر قيادة سياسية شوفينية مجردة من كل القيم السماوية والارضية، لذلك لم ينتقم شعبنا من أولئك الضباط والجنود بل شاركوهم لقمة العيش وتعاملوا معهم بمنتهى اللطف وبروحية إنسانية عالية. مستندين الى تاريخهم الحافل بقيم التسامح والعيش المشترك مع الاخرين ولم يظلموا احداً لان الظلم من شيم الجبناء، ولا يليق بنسور الجبال ان يهبطوا الى درك الظلم والطغيان. وبهذه الروحية تعاملوا دوماً مع الاخرين، وهذه الخصلة الإنسانية من أولى الخصال التي يكمن فيها سر صمود أبناء هذا الشعب بوجه الطغاة والمحتلين وانتصارهم عليهم. ولذا نرى في كردستان كنائس واديرة المسيحيين يعود تاريخ بعضها الى القرن الأول للميلاد وظلت قائمة حتى اليوم. لتكون الدليل الحي على احترام الشعب الكردي لكل الأديان والقوميات والطوائف. وحتى خلال الظروف العصيبة التي مر بها الأرمن فان أبناء الشعب الكردي كانوا يخفون العشرات منهم بين افراد اسرهم لانقاذهم من الإبادة، وهذا ما يذكره المؤرخون وباعتزاز للكرد، ورغم ان الأنظمة الشوفينية كانت قد شكلت ما يسمى بالفرسان الحميدية من بعض العشائر الكردية  ولان الكرد عانوا من الظلم والاستبداد طويلاً ،فانهم يكرهون الظلم ولا يمارسونه. ولان روح الانتماء للوطن عميقة لديهم فانهم يدركون بان كل انسان يعتز بالأرض التي عاش عليها لانهم يحبون وطنهم لانه كما قيل (حب الأوطان دليل على نبل الانسان).فالكرد يعتزون بقوميتهم دون ان يكرهوا القوميات الأخرى،فهم يمقتون الشوفينية، ويمارسون طقوسهم الدينية دون الاستهانة بمعتقدات الاخرين.

ولذا عاش المسيحيون واليهود وطوائف اهل الحق والكاكائية من الكرد وغيرهم مع الكرد وحافظوا على شعائرهم وظل الايزيديون يؤدون طقوسهم الدينية وهم اهل ديانة كردية قديمة، وحتى ان البابيون والبهائيون عندما تعرضوا للاضطهاد وجدوا في كردستان ملاذاً امناً لهم. وفي كردستان عاش انصار الطرق الصوفية من القادرية والنقشبندية وغيرها جنباً الى جنب. والقاعدة الثابتة عند الكرد احترام معتقدات واراء وخصوصيات الاخرين. ولكل ما تقدم نرى ان إرهابيي داعش ورغم استيلائهم على بعض المدن والقصبات الكردستانية ولكن بعد وقت قليل وعندما اطمئن الكرد بان المجتمع الدولي وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية يمدونهم بالمعونة اللوجستية والعسكرية، حتى وقفوا كالطود الشامخ امام هذا الخطر القادم الذي يهدد كل القيم والأعراف الإنسانية والسماوية، ولهذا نرى ونسمع في هذه الأيام الانتصارات الباهرة التي يسطرها أبناء هذا الشعب وحلفاؤهم، من خلال التضحيات الغالية التي يقدمها البيشمركه الابطال باستشهاد نخبة منهم في ساحات القتال والمواجهة مما يؤكد ان قيم البطولة والفداء ما زالت خالدة وعميقة في نفوس وقلوب أبناء هذا الشعب الذي كان ولا يزال شعاره الوطن او الموت، وحب الاخرين والنفور من الظلم والعدوان. ومساعدة المظلومين في كل مكان. وهنا يكمن سر انتصار الكرد دوماً في كل زمان ومكان فاستحقت كردستان بجدارة صفة (مقبرة الغزاة).

 

إبراهيم باجلان 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket