العنف في تجربة الإسلام السياسي المتطرف

الاراء 12:10 PM - 2014-09-22
علي حسين عبيد

علي حسين عبيد

لا نخطئ عندما نقول بأن العنف والاسلام السياسي المتطرف  في الوقت الراهن، هما وجهان لعملة واحدة، وليس ثمة مغالاة في هذا الاستنتاج، كونه ينبع من الوقائع التي رافقت تلك التجارب، في عدد من الدول العربية والاسلامية، بعد موجات العنف التي انطلقت مع ما يسمى بالربيع العربي، فضلا عما سبقه من تجارب، وهذا أمر واضح تمام الوضوح، ولا يحتاج الى ذكاء أو جهد كبير لاثباته. 

فما حدث ويحدث الآن على سبيل المثال، في دول تقودها حركات واحزاب سياسية، تنضوي تحت يافطة الاسلام السياسي، يثبت ان هذه الجماعات التي أعلنت نفسها كحكومات اسلامية، لم تستطع ان تُظهر الرؤية الاسلامية الحقيقية في ادارة دفة الحكم، لذلك فشلت في التعامل مع السلطة واغراءاتها، ولم تستطع كبح المآرب السلطوية الفردية والفئوية، كما كان يتعامل معها قادة الاسلام العظماء.

ولكن لماذا رافق العنف هذه الحركات والجماعات التي استلمت السلطة بعد أن كانت في موقع المعارضة؟ ولماذا انتشرت مظاهر الدماء في المناطق التي تحكمها، لدرجة ان بعضهم اطلق على هذه الجماعات والحكومات تسمية (الحكومات الدموية)؟!!، علما ان الدم والقتل والنهب وكل مظاهر الفوضى، رافقت بالفعل سيطرة بعض من الاسلام السياسي على مقاليد السلطة في دول عديدة. 

بل حتى تلك الجماعات التي فرضت نفسها على الناس عنوة بالقوة الغاشمة،على انها تعمل باسم الاسلام، عندما اقطعت مساحات واسعة من اراضي بعض الدول وسيطرت عليها، كما حدث مع عصابات داعش في سوريا والعراق، فقد رافق العنف والاقصاء والظلم، جميع افعالها، حيث سالت الدماء أنهارا، وتم استخدام ابشع طرق القتل ونشر الدم والخراب في المناطق التي تواجدت فيها.

واذا كانت ثمة مخططات ودوافع دولية معروفة، تقف وراء مثل هذه الجماعات الشريرة التي نسبت نفسها للاسلام عنوة، لتسيء للمبادئ الاسلامية وعظمة الاسلام، وفق مخططات محسوبة مسبقا، نعرف من يقف وراءها، فماذا نقول عن الاحزاب والحركات الاسلامية المعروفة، التي لها تأريخها ودورها في معارضة الانظمة الدكتاتورية، ولكن عندما تبادلت الادوار مع الحكومات المطاح بها، تحولت الى غول سلطوي يريد أن يبتلع كل شيء لصالحه، ونسيت أو تناست دورها المعارض للحكومات الدكتاتورية، فيما تحولت هي نفسها الى حكومات مستبدة، لا يهمها شيء سوى الاستئثار بالسلطة، والتمسك بها بقوة لا تلين، بغض النظر عن الوسائل التي تحقق لها هدف البقاء في السلطة، والاستمرار بها الى اكبر مسافة زمنية ممكنة.

أما الخسائر والضحايا التي تتسبب بها سياسات التمسك بالسلطة، فلا تهم جماعات الاسلام السياسي والحكومات التي انبثقت عنه، الامر المهم عند هذه الحكومات الاسلامية الآن، هو كيف تحافظ على السلطة بيدها وتحت هيمنتها، أما ضحايا القمع واساليب الاقصاء والتشريد والتكميم التي تستخدمها ضد معارضيها، فلا تشكل عائقا امام هدفها الستراتجي المتمثل في البقاء بالسلطة، بصرف النظر عن أية نتائج خطيرة اخرى، وهكذا نلاحظ تبادل الادوار لحكومات الاسلام السياسي، مع الحكومات الاستبداية التي سبقتها، وكأن السلطات الدكتاتورية تستعيد نفسها.

علما اننا نتساءل كيف يمكن لهذه الجماعات ان تتحول الى راعية للسلطة، وطالبة لها، ومستأثرة بها، في حين انها هي نفسها كانت تعيب على الحكومات المستبدة المطاح بها، هذا التمسك والتشبث المعيب بالسلطة ومغرياتها، علما أن الدماء والعنف هو الطريق الوحيد للبقاء بالسلطة مع اسلوب القمع والاقصاء، لهذا نلاحظ انتشار العنف في الدول والمناطق التي تسيطر عليها جماعات الاسلام السياسي، غير عابئة بالدماء التي تسيل، والارواح التي يتم ازهاقها، بل لقد اثبتت الوقائع على الارض، أن ما تعبأ به هذه الحركات والاحزاب والحكومات حصرا، هو كيفية البقاء على رأس السلطة، من اجل التمتع بالمزايا والاغراءات الكبيرة التي تمنحها السلطة لهم.

لذلك لابد من إعادة الحسابات من جديد، وفق رؤية سياسية فكرية سليمة، تستند الى مبادئ الاسلام التي تحرم الاستئثار، وترفض الاقصاء، وتنبذ سياسات العنف والقتل والدماء، وتدعو الى احترام الحقوق، وحماية الحريات، واحترام حرية الرأي، ونبذ سياسة الاكراه، فـ (لا إكراه في الدين)، ومن باب اولى لا اكراه في السياسة والفكر، ولابد من الابتعاد عن سياسة الاستحواذ، ونشر العدل والمساواة، ونبذ ومكافحة مظاهر العنف كافة، وبهذه المسارات المعتدلة وحدها، يمكن للحكام وحكوماتهم الاحتفاظ بالسلطة التي تخدم الطرفين، ونعني بهم المحكوم والحاكم، وفق تشريعات حافظة للحقوق، ومانعة للظلم والتجاوز والعنف، ممثلة بالدستور المستفتى عليه شعبياً.

 

علي حسين عبيد

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket