هل تفقد بريطانيا "تنورتها"؟

تقاریر‌‌ 01:26 PM - 2014-09-18
هل تفقد بريطانيا "تنورتها"؟

هل تفقد بريطانيا "تنورتها"؟

كثيرة هي تداعيات انفصال محتمل لاسكوتلندا عن بريطانيا في ضوء الاستفتاء غير المحسوم النتائج المقرر اليوم. تداعيات تبدأ بتغيير ألوان "يونيون جاك" (العلم البريطاني) والحنين الى الهوية الوطنية والرجال بالتنانير والويسكي، ولا تنتهي بتقاسم عائدات نفط بحر الشمال واعباء الدين العام. فثمة من يذهب أبعد متكهنا بتأثيرات على السياسة الخارجية والامنية لبريطانيا وموقعها على الساحة الدولية عموماً، فهل هذه المخاوف في محلها في سياق الصعود القوي لروسيا وترنح الشرق الاوسط أم مجرد شعارات اقتضتها الحملة الانتخابية الشرسة؟
ففي معرض تحذيره من تداعيات انفصال اسكوتلندا عن بريطانيا، رسم رئيس الوزراء البريطاني السابق السير جون ميجور صورة مأسوية لمستقبل بلاده، قائلا إن دورها في حلف شمال الاطلسي سيتقلص، وبالتالي "علاقتنا مع اميركا ستتضرر". ستصير بريطانيا العظمى أضعف في كل المنظمات الدولية، وبالتأكيد ستصير أضعف في الاتحاد الاوروبي في المفاوضات المقبلة.ولم يقف عند هذا الحد، وإنما اضاف:"سنخسر كرسينا على الطاولة الرئيسية في الامم المتحدة"، في اشارة الى مجلس الامن.
تجدد التساؤلات
عملياً، لم يمض وقت طويل منذ وقف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون جنبا الى جنب مع الرئيس باراك اوباما في قمة ويلز الاخيرة لينوها معاً بالزخم الجديد للمنظمة الاطلسية بعد سلسلة القرارات التي اتخذتها في شأن قوة رد سريع في أوروبا، لمواجهة تهديدات موسكو لاوكرانيا. غير أن هواجس السير ميجور ليست بلا اساس، وإن تكن مخاوفه على مقعد لندن في مجلس الامن، مبالغ فيها. فاذا انفصلت اسكوتلندا عن بريطانيا، يتوقع أن تتجدد التساؤلات عن قدرة الاطلسي على مواجهة روسيا في اوروبا الشرقية. فالترسانة النووية البريطانية، وهي المساهمة الوحيدة للندن في ردع نووي غربي، موجودة في قاعدة البحرية الملكية على الساحل الغربي لاسكوتلندا.ومن شأن التصويت ب"نعم" على الانفصال أن يرخي شكوكا في شأن مستقبل مشروع "ترايدنت" لتحديث نظام الصواريخ النووية.
وخلال الحملة للاستفتاء على مصير اسكوتلندا، احتدم الجدل في شأن نقل الترسانة النوویة البریطانیة، المخزنة بالكامل فى غواصات في قاعدة "فازلان" البحریة في غرب اسكوتلندا. ویؤكد المعهد الملكي للخدمات المتحدة المعني بالبحوث العسكریة أن عملیة نقل هذه الترسانة من الأسلحة ستكلف ملیارات وقد تدوم حتى ٢٠٢٨.
مظهر الضعف
وبتقدير الخبيرين هاغ تشالمرز ومالكولم تشالمرز من معهد "تشاتهام هاوس" أن كلفة نقل الترسانة التي يصر الحزب الاسكولندي الرئيسي المؤيد للانفصال أن يحصل ذلك بحلول 2020، تتراوح بين ثلاثة واربعة ملبارات جنيه استرليني، الامر الذي دفع البعض الى الاعتقاد أن هذه المصاريف اضافة الى العراقيل السياسية للنقل، ستثير نقاشاً وطنياً في شأن الاسلحة النووية يمكن أن يؤدي الى تخلي لندن عن سلاحها النووي من جانب واحد.
من التساؤلات المطروحة ايضا يتعلق بقدرة اسكوتلندا ورغبتها في الاتضمام الى الائتلافات العسكرية التي صارت أكثر وضوحاً أخيرا مع حشد واشنطن الدعم لجهودها ضد روسيا و"داعش".
وايا تكن الخطط النووية المقبلة لبريطانيا والتحالفات المحتملة لاسكوتلندا، يبدو أن توقيت هذا الارباك يمثل مصدر قلق لواشنطن التي تحاول اظهار تماسك الدول الحليفة في وقت تستعد للانخراط في حرب حاولت كثيرا تجنبها.
ويقول جيريمي شابيرو، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الاميركية وباحث في معهد "بروكينغز" في واشنطن أن " المسألة ليست قضية ردع نووي بقدر ما هي الظهور بمظهر الضعف وعدم الوحدة في مرحلة حساسة من تاريخ حلف شمال الاطلسي في مواجهة نوع من تهديد روسي جديد . فكرة تفكك عضو بارز في الحلف لا تروق لواشنطن في هذه المرحلة الحساسة من التعامل مع موسكو".
الاقتصاد   
ولئن تحتفظ واشنطن برأيها لنفسها حتى الان، لا يغيب من بالها الكلفة الاقتصادية التي ستتكبدها نتيجة تفكك محتمل لبريطانيا التي تربطها بها وبالاتحاد الاوروبي ككل علاقات تجارية وثيقة.
ففيما لم يحسم مؤيدو الانفصال العملة التي ستستخدمها بلادهم في حال الاستقلال الذي لن يسري في اي حال قبل آذار 2016 (الاورو أو الجنيه الاسترليني أو عملة جديدة)، حزمت مصارف عاملة في اسكوتلندا أمرها ، معلنة أنها ستنتقل الى لندن، وبذلك ليس مستبعدا أن يتوقف الانتعاش المالي الاوروبي الهش أصلا.
عدوى
ولعل الهاجس الاكبر لواشنطن وأوروبا يتمثل في أن تثير حركة استقلال ناجحة في هولندا عدوى في بقية أوروبا. فالمناطق الانفصالية الاخرى في اسبانيا وبلجيكا تراقب من كثب التصويت الاسكوتلندي. وعلى غرار اسكوتلندا، يتوقع أن تشهد هذه المناطق سجالات في شأن العملة التي ستستخدمها وكيفية اعادة هيكلة اقتصاداتها، وهو ما من شأنه أن يدفع الاتحاد الاوروبي ومعه الولايات المتحدة، شريكه التجاري الرئيسي، الى مزيد من الاضطرابات الاقتصادية.
وفي التبعات الامنية، تواجه بريطانيا تحديات كبيرة على غرار التجسس الروسي وعودة المتطرفين الاسلاميين البريطانيين من حربي سوريا والعراق. وتعتبر وكالات الاستخبارات وانفاذ القوانين، لا الجيش، خط الدفاع الامامي بمواجهة هذه التحديات. ومع أن مؤيدي الانفصال تعهدوا "جهازا أمنيا من الدرجة الاولى"، يحذر خبراء من منتدى "روسي" للدفاع والامن الوطني والدولي من أن "عقبات كبيرة في التمويل والقدرات والتشريعات" قد تحول دون انضمام اسكوتلندا الى تحالف "العيون الخمس" الاستخبارتي( الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأوستراليا ونيوزيلندا)، لافتين الى أن "قدرات أمنية واستخباراتية اسكوتلندية ضعيفة قد تجعل اسكوتلندا بيئة جاذبة لمنظمات استخباراتية معادية، وتشكل ممرا الى بريطانيا".
من بيجينغ الى واشنطن ومن موسكو الى نيودلهي، تأمل أكثر دول العالم ولأسباب تتراوح بين المصلحة الوطنية ومقتضيات الجغرافيا السياسية، أن تبقى بريطانيا موحدة وألا تضطر الى التخلي عن اسمها بريطانيا العظمى، لئلا تؤسس لسابقة معدية بتفكك دولة في وقت مضطرب.

PUKmedia عن النهار اللبنانية/ موناليزا فريحة

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket