الواقعية في السياسة
الاراء 12:28 PM - 2014-08-20عبد المنعم الاعسم
تقول الواقعية في السياسة ان الحقيقة لا تظهر في شكل واحد، وليس لها، او عليها وصي، وان الصحيح الآن قد يتحول الى خطأ في آنٍ آخر، والمرفوض في هذا الوقت قد يصبح مقبولا في وقت ما، وعكس الشيء واردٌ، وليس ثمة سقف، او حدّ، او مدى للاحتمالات، ومن ينظر الى الحقائق على انها ثابتة كمن ينظر من قعر بئر سحيق الى رقعة من الفضاء فيظن انها السماء.
والواقعية السياسية قد تكون مُرة، مرارة العلقم، او تكون حلوة حلاوة الشهد، وقد تستعين بحكمة جبان او فروسية شجاع لكي تصل الى غايتها، وفي (زهر الآداب) للحصري القيرواني حكاية تفيد في هذا المقام، إذ اتى قومٌ شيخا لهم قد اربى على الثمانين، فقالوا: ان عدونا سرق مواشينا، فماذا تشر علينا "بما ندرك به الثار وننفي به العار؟". فقال الشيخ: الضعف فسخ همّتي، ونكث إبرام عزيمتي، ولكن، عليكم باستشارة الشجعان من ذوي العزم، والجبناء من ذوي الحزم، فان الجبان لا يبخل برأي يقي مهجكم، والشجاع لا يبخل براي يشيّد ذكركم، ثم اخلصوا الرأي بنتيجة تبعد عنكم عار الجبناء وتهور الشجعان.. فاذا نجم الرايُ على هذا كان أنفذ على عدوكم من السهم الصائب والحسام القاضب".
والواقعية السياسية عملية توفيق كيميائية بين متنافرات على ضوء ما هو معلوم، وبمعنى ما، لا تستقيم الواقعية السياسية مع الفرضيات المجردة، ولا مع غير المعلوم، علما بان الحكمة– يقول الفخر الرازي- "عبارة عن العمل بالعلم، فكل من اوتي العمل بالعلم فقد اوتي الحكمة.. اي العمل على وفق المعلوم" فان المعلوم الذي يرى بالعين المجردة ويرصد بالعقل هو اثاث الواقعية السياسية وهو مدخلها الى تأويل الاحداث وتفسير الصراعات وتقويم الافكار.
والواقعية السياسية ضد الجهل، لأنها توظف المعرفة في كشف اسرار الواقع واتجاهاته، لكي تضع مسار الحركة المطلوبة، والمقترحة، ونحتاج هنا الى التوقف عن اصناف الجهل، كما لخصها هادي العلوي عن الفلاسفة المسلمين الطليعيين بقوله: "الجهل نوعان: بسيط ومركب. الاول هو ان لا تعرف شيئا، والثاني، هو ان تعرف شيئا على وجه الخطأ. والمركّب افضل من البسيط، لأن معرفة شيء على وجه الخطأ افضل من عدم معرفة اي شيء".
الواقعية السياسية ليست مطلوبة، فقط، لانها تأخذ بقاربنا الى استراحة المراجعة، بل انها ايضا ضرورية لحاجتنا الى الحاق الهزيمة بثقافة الانشاء وسياسة الارتجال والتطرف، فليس ثمة خصومة مع الواقعية في مجال السياسة اكثر من الشعارات الانشائية. الاولى ميدانها ومطبخها الواقع، والثانية تحلق في الوهم وتتمترس به. الاولى تلزم المرونة وتلتزم احترام خصوصيات الراهن، فيما الثانية تهرب الى التشدد والعناد. الاولى تستعد للعطاء، والثانية لا تعطي شيئا، لانها لا تملك ما يمكن ان يُعطى.
"لا تقاطع عدوك أبداً أثناء ارتكابه خطأً".
نابليون بونابرت
عبد المنعم الاعسم
المزيد من الأخبار
-
فوز مرشح الاتحاد الوطني بمنصب مدير عام الاستثمار في صلاح الدين
04:31 PM - 2024-04-23 -
السليمانية تشهد مراسيم توزيع جائزة بله الذهبية
09:37 AM - 2024-04-23 -
بغداد وأنقرة تهدفان الى رفع حجم التبادل التجاري بينهما
10:34 PM - 2024-04-22 -
القنصلية الامريكية: ندعم حرية الاعلام
05:50 PM - 2024-04-22
شاهد المزيد
العلاقة بين الاقليم وبغداد وملف النفط.. من أهم محاور مباحثات السوداني في واشنطن
03:32 PM - 2024-04-23
قوباد طالباني: طلبت من الرئيس التركي إعادة النظر بقرار الحظر على مطار السليمانية
11:32 AM - 2024-04-23
الرئيس التركي يزور أربيل ويجتمع مع كبار المسؤولين في الاقليم
11:10 PM - 2024-04-22
رئيس الجمهورية والرئيس التركي يجريان مباحثات معمقة بشأن العديد من القضايا المهمة
02:53 PM - 2024-04-22
الأكثر قراءة
-
قوباد طالباني: طلبت من الرئيس التركي إعادة النظر بقرار الحظر على مطار السليمانية
کوردستان 11:32 AM - 2024-04-23 -
السليمانية تشهد مراسيم توزيع جائزة بله الذهبية
کوردستان 09:37 AM - 2024-04-23 -
بحضور الرئيس بافل.. منح جائزة (بله) الذهبية لـ 10 شخصيات كوردستانية
کوردستان 06:47 PM - 2024-04-23 -
العلاقة بين الاقليم وبغداد وملف النفط.. من أهم محاور مباحثات السوداني في واشنطن
العراق 03:32 PM - 2024-04-23 -
فوز مرشح الاتحاد الوطني بمنصب مدير عام الاستثمار في صلاح الدين
العراق 04:31 PM - 2024-04-23 -
كردستان وصحافة الكم لا النوع
الآراء 05:06 PM - 2024-04-23