أيها المسيحيون تشبثوا بأرضكم

الاراء 11:49 AM - 2014-07-23
 فالح حسون الدراجي

فالح حسون الدراجي

أيها المسيحيون تشبثوا بأرضكم
قبل عشر سنوات تماماً، كتبت مقالاً بعنوان: أي عراق هذا بلا مسيحيين؟ وقد نشر هذا المقال وقتها في أكثر من ثلاثين موقعاً عراقياً منوعاً، كان منها سبعة مواقع مسيحية، والبقية مواقع عراقية متفرقة. وأذكر أن هذا المقال نال اهتماماً واسعاً من قبل القراء بمختلف انتماءاتهم السياسية، والدينية، والقومية، بحيث أنه قرئ من قبل عشرات الالاف. ويكفي أن أقول أن عدد قرائه قد وصل في موقع شبابيك لوحده الى أكثر من خمسة آلاف قارئ، وفي موقع صوت العراق الى عدد مماثل ايضاً.. بينما قرأه اربعة آلاف وسبعمائة وسبعون قارئ في موقع الحوار المتمدن.. وأربعة آلاف قارئ تقريباً في موقع عنكاوا.. ومثلها تقريباً في المواقع الأخرى .. ونشر المقال ايضاً في تسع صحف، وثلاث مجلات عراقية، تصدر في العراق والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وغيرها. كما كتبتُ في نفس الوقت نصاً غنائياً شعبياً سجلته بصوتي، وتم اخراجه بشكل فني مؤثر، يحمل عنوان: (يامسيحيين العراق)، حيث يمكن مشاهدته الآن في عشرات المواقع المسيحية العراقية وفي اليوتوب كذلك، علماً بأن مجموع مشاهديه قد وصل الى نصف مليون مشاهد تقريباً. كما لحن هذا النص وسجل بأصوات عدد من المطربين المسيحيين في أمريكا وأستراليا من بينهم الفنان المعروف ماجد ككا، والفنان المبدع رائد عادل، وغيرهما.. وزبدة القول في ذلك المقال والنص تكمن في دعوتي للأحبة المسيحيين العراقيين للتشبث بأرضهم، وأرض أجدادهم الأوائل، وعدم مغادرة العراق، مهما كانت الظروف والأسباب.. واليوم إذ أعيد نشر نفس المقال السابق، فلأني أجد أن الحاجة الى مضمونه باتت أشد وأبرز، بعد أن بدأت عصابات داعش تهدد شعبنا المسيحي في الموصل، وتخبرهم بين المغادرة، أو القتل.. لذلك فإن دعوتي لهم بالصمود، والتشبث بالأرض قد أصبحت أكثر أهمية.. لاسيما وإن الهدف الرئيسي الذي يسعى اليه الطائفيون اليوم هو نفس الهدف الذي كانوا يسعون اليه من قبل، الا وهو افراغ العراق من مكوناته التنوعية الجميلة. وأنا حين أطالب أهلنا المسيحيين بالصمود، فأنا قطعاً لا أريد لهم أن يذبحوا بيد أوباش داعش، إنما أريدُ لهم أن يفعلوا كما فعل أخوتهم الشيعة التركمان في تلعفر، أو في غير تلعفر، حيث اتجهوا الى ناحية آمرلي، التي تقع في قضاء طوز خرماتو.. فتجمعوا هناك متآزرين متكاتفين مع أخوتهم الشيعة القاطنين في تلك المدينة، دون أن يتمكن اوباش داعش من الوصول اليهم .. علماً بأن هؤلاء التركمان كانوا يستطيعون مغادرة العراق في أي وقت، واللجوء الى تركيا حيث لهم هناك أهل وأقارب وقبول، لكنهم رفضوا ذلك، وبقوا صامدين في أرض العراق.. لذلك فأنا أتمنى مخلصاً على أحبتنا المسيحيين العراقيين، وهم أصل العراق تأريخاً وجغرافية وحضارة أولى، أن يتوجهوا الى أخوتهم العراقيين في الجنوب، وسيجدون قلوبهم وبيوتهم مفتوحة لهم، بدلاً من السفر الى بلدان المهجر، ففي الجنوب أمان للمسيحيين وضمان لهم، ولمعتقداتهم المحترمة. فهل سمع أحد منا، بكنيسة أحرقت في البصرة، أو رأى مسيحياً يقتل لا سمح الله في العمارة.. فأمضوا أيها المسيحيون الى اهلكم الشيعة والسنة في الجنوب، أو في بغداد، فهم أخوتكم، وأهاليكم، ريثما تتحرر الموصل من قيود الاحتلال الداعشي البغيض.. فتعودون لها بفضل الله، وفضل الجيش العراقي البطل معززين مكرمين.. واليوم، ولأهمية ذلك المقال المنشور قبل عشر سنوات، فإني أعيد نشره في جريدة الحقيقة، متمنياً على الأحبة المسيحيين العراقيين قراءة سطوره؛
 (قرأت خبرين صحفيين قلبا كياني، وعكرا مزاجي، بل وأشعلا النار في صدري. فالخبر الأول يتحدث عن سعي المسيحيين العراقيين المقيمين في أمريكا وكندا وأستراليا لمساعدة اقاربهم في العراق على الهجرة لهذه البلدان، والخبر الثاني : دعوة الكنيسة السويدية لحكومة السويد على منح المسيحيين العراقيين حق اللجوء، واذا نجح هذان المسعان، فلن يظل في العراق بعد اليوم مسيحي واحد، فيا للكارثة، ويا للمصيبة؟! أغمض عينك عزيزي وتخيل معي شكل العراق لا سمح الله بلا مسيحيين، ولا صابئة، ولا أيزيديين.. فهل يستحق العراق بعدها أن نسميه العراق؟! العراق الذي يتسع قلبه لكل الطوائف والملل، إذ أن في كل حرف من حروفه طائفة، وفي كل شهقة دين، وفي كل نبضة طيف،.. فاذا كان المسلمون يمثلون حرف العين في كلمة (العراق)، فأن المسيحيين يمثلون حرف الراء فيها، والصابئة حرف الألف في كلمة العراق ، ويقيناً أن للأيزيديين نفس الحق.. مرة كتبت مقالة قلت فيها : ( أن الله أحب العراق فمنحه نعمة التنويع، ومثلما منحه الفراتين والنخيل، والأرض الآمنة التي لا تهتز ولا تختض أبدآ، ومنحه النفط الذي يجري من تحت أرضه ذهبآ، فأن الله منحه أيضآ تعدد الأطياف، والأقوام، والألوان، من العرب الى الكورد، الى التركمان، الى الكلدان والآشوريين، الى الشبك، والى أقوام ولغات، ولهجات لا تعد ولا تحصى.
أنها نعمة من الله، وقسمة عادلة منه.. ومن يعترض على هذه القسمة الالهية، أنما يعترض على هبة الله وقسمته، فينكر فضل عطاياه، أذ كيف يريد الله للعراق أن يكون مشعاً بحزمة من الشموع الملونة، بينما يريده الظلاميون مظلمآ، لا تنيره حتى شمعة واحدة؟! أليس هذا عصيانآ على حكم الخالق؟ وماذا سيقال عنا لو عصينا – نحن – حكم الله، وفعلنا مثل فعلتهم القذرة، ففجرنا الكنائس، وقتلنا المسيحيين، وعلقنا أسماءهم على الجوامع ، وذبحنا أولادهم على أبواب المدارس، وفجرنا محلات غير المسلمين، ألا يوصموننا مثلاً بالألحاد، والرفض، والكفر، وعصيان أمر الله، لأننا كفرنا بنعمته المباركة؟! وعودة الى الموضوع فأني أعتقد أن اخلاء العراق من مواطنيه المسيحيين عملية قصدية يراد منها تجفيف منابع الجمال في العراق، ليتصحر تماماً. إذ يبدو أن هذا التنوع، وهذا القوس قزح العراقي الجميل قد أرقهم !! فالمسيحيون العراقيون ليسوا أصل الحضارة العراقية، وجذرها التاريخي فحسب، ولا هم كفاءات العراق وأدمغته العلمية والطبية الأولى فقط، أنما هم زهور العراق، وعطر محبته، وهم حلاوته، وروعة فنونه، ناهيك عن أن فيهم، رجالاً أفذاذا، قادوا عملية النضال الوطني بجدارة وشجاعة، كقيادة الشهيد يوسف سلمان فهد، الذي أرتقى أعواد المشانق وهو يهتف بحياة الشعب العراقي.. فبأي حق إذن ينكرون على هؤلاء النجباء عراقيتهم؟! وعدا جمال المسيحيين، وتأريخهم الحضاري، وتضحياتهم الوطنية، فأن لصُحبة ورفقة المسيحي العراقي مذاقآ خاصآ، ونكهة فريدة، وطعمآ لا يشبهه طعم عند كل مسيحي الأرض الآخرين.. ففي هذه الصحبة ملمس ناعم كالحرير، ودفء مميز، ووفاء قل مثيله ، فالمسيحي العراقي لا يغدر بصاحبه قط، ولا يخون محبه أبدا أبدا، أسألوني ، فقد أحببت يومآ عذراء من قوم عيسى ، وأنا فتى في أول العمر، وهي كذلك، وحين هاجرت مع عائلتها الى أستراليا ، ظلت وفية لحبي، بحيث نقشت أسمي على زندها الأبيض ( مثل أي معيدية من معيديات هور الصحين)، حتى أنها أضربت عن الطعام، ولبست الأسود، وقاطعت كل شيء، لأجل حبيبها (المسلم)، فأي نبل هذا ، وأي وفاء عظيم ؟! كان لها وجه مضيء ومستدير كالقمر، ولها عينان خضراوان كالعشب، وفتنة لا تقاوم، كان أسمها (ليلى يلدا)، وكنت أسميها ( أم وجه كمرة ، وعين خضرة ) !! وبقينا على أتصال بعد سفرها لعشر سنوات، أذ كانت ترسل لي الرسائل والمعايدات والهدايا ، وكنت أتصل بها كلما تتاح لي الفرصة، الى أن حلت (القادسية المصخمة)، حيث أخذت منا كل شيء، ولم أعد أعرف أين أصبحت ( أم وجه كمرة) !! أما عن علاقة المسلمين بأشقائهم المسيحيين العراقيين، فحدث بلا حرج .. فقد كان المسلمون يأكلون في مطاعم مسيحية، والمسيحيون يأكلون، ويشربون في بيوت أصدقائهم المسلمين دون أي إشكال !! ولم يكن الأمر مقتصرآ على المسلمين والمسيحيين، بل كانت الشجرة العراقية تحمل أثمار المحبة المزهرة من مختلف الأديان والألوان، سواء  أكانوا مسلمين أم مسيحيين أم صابئة مندائيين أم من الأخوة الأزيديين، أم من غيرهم!، لقد كنا اخوة، وكان من الطبيعي أن ندافع عن حرية بعضنا رغم الإختلاف. فأنا كعربي مثلآ، لم أكن أريد لحريتي أن تقوم على جثة حرية الكردي ، أو التركماني ، أو غيرهما ، وأنا الشيعي كنت أرفض لسلطتي أن تقام، على أعناق الأخوة السنة، أو المسيحيين، أو الصابئة !! لذلك لا أريد لنبض أخي الكردي، أن يبتعد عن نبضي، بخاصة وأن لنا اليوم فضاءً فدرالياً حراً قادراً على أحتوائنا جميعآ ! وإذا كنت أنا (الشيعي) قد أضطهدت، وقمعت طائفتي لأجيال متوالية من قبل السلطة والطائفية في العراق، وصحيح أنا العربي ( الشروكي) قد عانيت الكثير من تمييز، وظلم السلطات الشوفينية، تمامآ مثلما عانى منها أخي الكردي، وصحيح أن من حق الشيعي المقموع ، والشروكي المضطهد أن يطالب بحقوقه المهدورة على أبواب ثمانين عامآ من القمع والظلم، لكني رغم ذلك الظلم، وتلك المعاناة، فأن قلبي (أنا الشيعي العراقي، والجنوبي الشروكي) لم يزل ينبض بحب العراقي الآخر، مهما كانت قوميته، أو ديانته، أو مذهبه.. وليس لي شرط على محبة أخي العراقي غير أن يكون عراقياً فقط !! فقلبي لم يزل حديقة للحب والحياة والأمل، تتقبل كل قادم أليها بسرور، ليستريح على عشبها بلا استثناء، سواء أكان القادم له سنياً، أم مسيحياً، أم صابئياً.. أم كوردياً  أم تركمانياً أم كلدانياً آشورياً.. بما في ذلك الذي قمعني ثمانين عامآ في بلدي، أو حاربني في ولائي أربعة عشر قرناً، لأن الوطن للجميع، نتقاسم جميعآ حروف أسمه الجميل، كما يتقاسم الأشقاء ميراث المحبة من قلب الأب، أو صدر الأم !! فتحية للمسيحيين الصابرين في الداخل، والمتشبثين برغيف تلكيف، وماء القوش العذب، وخضرة بطنايا، ولكنة لسان المسيحيين المصالوة المميزة، وذكريات بغداد الجديدة، وملاعب الحبانية.. ومساءات عنكاوا الخرافية.. تحية لهم وهم يدافعون عن العراق بأسلحة الحب، والجمال، والأبداع ، والاصرار على البقاء، والتشبث بالجذر حتى الشهقة الأخيرة.. والف تحية لكل عراقي شريف يؤمن (بأن البقاء للأجذر) ... وهل هناك أجذر منا في الكون عروقا، ومنابع، وحضارات إنسانية اولى ؟!! أخيرآ، سألني ولدي ضاحكآ: ( بابا، إذا ماكو مسيحيين بالعراق شتسوي)؟ فضحكت وقلت له : (والله لأشيله وأذبه بالشط)!.
PUKmedia
بقلم فالح حسون الدراجي

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket